أصمت.. فالصمتُ لغةُ العُقَلاء

أودُّ أن أستهِلَّ حديثي عن هذا العنوان, بعبارةٍ يُرددُها الكثيرون من حولِنا, مع معرفتِهم- أو دونِها- بالمعاني التي تحملُها, و بالهدفِ التي تَسمو إليه، ألا و هي "خيرُ الكلامِ ما قلَّ و دلّ".

الصمتُ هو لغةٌ يعتمدُها الإنسان, يُعبّرُ فيها عن آرائهِ و مواقِفهِ, دون أن تَخرُجَ منهُ أيُّ كلمةٍ, فيلجأُ إليها البعضُ لترجمةِ إنفعالاتهم, كالإنزعاج و الرضى, الصدمةِ أو الإشتياق.

قلّةٌ من يولونَ الصمتَ أهميةً كبيرة في حياتهم, و يُعطوهُ حيّزاً في جوانبِ حياتهم الشخصية و الأجتماعية. و كما أسلفنا سابقاً إنّ خير الكلامِ في قلّتهِ و دلالتهِ الواضحة, و هذا خيرُ مثالٍ على أهمية الصمت و عظمته.

بالنسبة لي, أجدُ الصمتَ في كثيرٍ من المواقفِ, حلاً أمثلاً أتجنّبُ فيه الشعورَ بالانزعاجِ, فيُغنيني الدخولَ في جدالٍ عقيم لا طائلَ منهُ و لا منفعة, أو التحدّثَ في مواضيعٍ تتّسِمُ بالتفاهةِ و السطحية, و تَغيبُ عنها الفائدة. فأجدُ بهِ مخرجاً لمثلِ هذه الأمور التي تعترِضُني دائماً.

التحلّي بالصمت كالتحلّي بالصبر, تلجأُ إليهِ أيضاً عند مواجهتِكَ لتقلباتِ الحياة و مطبّاتها, مُتخذاً منهُ سلاحاً و ملاذاً عند تذليلِكَ للصعابِ, و العبورِ إلى برِّ الراحةِ و السكينة. فالصمت يساعدك على صفاء ذهنك, و يزيد من حدّة التفكير, مما يسهل عليك ايجاد الحلول المناسبة عند كلّ مطبٍ تتعثَّر به.

إن أهمَّ عواملِ الفشل في حياتك, هو افتقارك لنعمةِ الصمت. فنسبةُ تحقيقِ حلمٍ أو هدفٍ تصبو إليه, لا يعلم عنه أحدٌ, أعلى بكثيرٍ من ذلك الذي يعلمُ الكلّ بشأنه. و أيضاً تحدّثُكَ عن مشاكِلكَ الشخصية, أمام شخصٍ تثقُ به و تجدُ فيه الحِكمة و النصح, خير لك من اللجوء لمن حولك, أصدقاءً كانوا أم أقارب, ممن ليس لديهم الوعي و الثقافة اللازمة لمساعدتك, حيث تكون كثرتُهم دون فائدة تُرجى.

إن اعتماد الصمت و جعله أولوية في حياتك يجعل منك انسانا متزنا لديه من الوعي و الرصانة ما يكفيه للتعايش مع أعباء الدنيا و مشاغلها بكل هدوء و سلاسة ما يبعد عنك الضعوط و التفكير السلبي.

لا تُخبر أحداً بإنجازاتِكَ فيحسُدك, أو بتقدّمِكَ فيتمنى مكانَك, أو بوصولِكَ للقمّة فيسعى لجرِّكَ إلى أسفل, فقليلٌ من سيفرحُ لفرحِك, و يُسَرُّ لسرورِك. فكما يقول المسرحيُّ و الفنانُ و الناقدُ الساخر جورج برنارد شو, "حافظ على كلّ شيئٍ جميلٍ يُسعدُك, إجعلهُ سرّاً بينكَ و بين نفسِك, فكلّ شيئٍ يعرفهُ البشرُ يُفسِدوه".